كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن إسحاق: وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكان حليفًا لبني زهرة، وهم بالجحفة يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل. وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بي جبنها، وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة. لا ما يقول هذا يعني أبا جهل فرجعوا، فلم يشهدها زهري واحد.. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس، إلا بني عدي ابن كعب، لم يخرج منهم رجل واحد في إمتاع الأسماع أن طعمة بن عدي حمل على عشرين بعيرًا، وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة.. وكان بين طالب بن أبي طالب- وكان في القوم- وبين بعض قريش محاورة. فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم، وإن خرجتم معنا، إن هواكم لمع محمد. فرجع طالب إلى مكة مع من رجع!
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه.
وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرًا فاعتقبوها أي كانوا يركبونها بالتعاقب فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرًا. وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرًا. وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرًا..
قال المقريزي في إمتاع الأسماع:
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش. فاستشار الناس، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن. ثم قام عمر فقال فأحسن. ثم قال: يا رسول الله، إنها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدًا، ولتقاتلنك، فأتهب لذلك أهبته، وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون. والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا وبرك الغماد موضع بأقصى اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير.. ثم قال: «أشيروا علي أيها الناس». وإنما يريد الأنصار.. وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم وذلك في بيعة العقبة الثانية التي هاجر على أساسها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا! قال: «أجل». قال: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك في غيره يعني كما يبدو أنك ربما تكون قد خرجت لأمر ثم أوحي إليك في غيره إذ كان قد خرج للعير ثم عرض النفير، فإنا قد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة. فامض يا نبي الله لما أردت. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل. وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت؛ وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم؛ وما نكره أن نلقى عدونا غدًا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عيناك.. وفي رواية أن سعد بن معاذ قال: إنا خلفنا من قومنا قومًا ما نحن بأشد حبًا لك منهم، ولا أطوع لك منهم؛ ولكن إنما ظنوا أنها العير. نبني لك عريشًا فتكون فيه، ونعد عندك رواحلك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببناه، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا.. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا. وقال: «أو يقضي الله خيرًا من ذلك يا سعد». فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيروا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين. والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم».. فعلم القوم أنهم إنما يلاقون القتال وأن العير تفلت؛ ورجوا النصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ومن يومئذ عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية. وهي ثلاثة، لواء يحمله مصعب بن عمير. ورايتان سوداوان. إحداهما مع علي، والأخرى مع رجل من الأنصار هو سعد بن معاذ وأظهر السلاح.. وكان خرج من المدينة على غير لواء معقود.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من رمضان،فبعث عليًا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس بن عمرو رضي الله عنهم يتحسسون على الماء. وأشار لهم إلى ظريب تصغير ظرب وهو الجبل الصغير المنبسط في حجارة دقاق وقال: أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب الذي يلي الظرب. فوجدوا على تلك القليب روايا قريش فيها سقاؤهم الروايا من الإبل حوامل الماء وسُقاء جمع سَقاء فأفلت عامتهم- وفيهم عجير- فجاء قريشًا، فقال: يا آل غالب، هذا ابن أبي كبشة يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أخذوا سقاءكم. فماج العسكر وكرهوا ذلك، والسماء تمطر عليهم. وأخذ تلك الليلة أبو يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص، وأسلم غلام منبه بن الحجاج، وأبو رافع غلام أمية بن خلف، فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. فقالوا: نحن سقاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهم فضربوهم. فقالوا: نحن لأبي سفيان، ونحن في العير! فأمسكوا عنهم! فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم!» ثم أقبل عليهم يسألهم، فأخبروه أن قريشًا خلف هذا الكثيب، وأنهم ينحرون يومًا عشرًا ويومًا تسعًا، وأعلموه بمن خرج من مكة. فقال صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين الألف والتسعمائة. وقال: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها».
واستشار أصحابه في المنزل، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح.. انطلق بنا إلى أدنى بئر إلى القوم. فإني عالم بها وبقلبها. بها قليب أي بئر قديمة لا يعلم من حفرها قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح. ثم نبني عليها حوضًا، ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل؛ ونعور ما سواها من القلب. فقال: يا حباب أشرت بالرأي وفي رواية ابن هشام عن ابن إسحاق أن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، هذا المنزل أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال: يا رسول الله، هذا ليس بمنزل.. ثم أشار بما أشار ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على القليب ببدر. وبات تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة أي ما بقي من جذعها بعد قطع أعلاه. وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان. وفعل ما أشار به الحباب.. وبعث الله السماء، فأصاب المسلمين ما لبد الأرض ولم يمنع من السير. وأصاب قريشًا من ذلك ما لم يقدروا أن يرتحلوا منه. وإنما بينهم قوز من رمل. وكان مجيء المطر نعمة وقوة للمؤمنين، وبلاء ونقمة على المشركين. وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم. فناموا، حتى إن أحدهم تكون ذقنه بين ثدييه وما يشعر حتى يقع على جنبه. واحتلم رفاعة ابن رافع بن مالك حتى اغتسل آخر الليل.. وبعث صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون، وأن السماء تسح عليهم.
وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل على القليب- عريش من جريد. وقام سعد بن معاذ على بابه متوشح السيف. ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الوقعة، وعرض على أصحابه مصارع رؤوس الكفر من قريش مصرعًا مصرعًا، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان.. فما عدا واحد منهم مضجعه الذي حدّ له الرسول. وعدل صلى الله عليه وسلم الصفوف. ورجع إلى العريش فدخل صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: وقد ارتحلت قريش حتى أصبحت فأقبلت. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم- تصوّب من العقنقل وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي، قال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك، وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنِهم الغداة». وقد قال رسولالله صلى الله عليه وسلم وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر، فقال: «إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا».
وقد كان خُفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري- أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري- بعث إلى قريش- حين مروا به- ابنًا له بجزائر أي ذبائح أهداها لهم. وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا. قال: فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم. قد قضيت الذي عليك. فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد، فما لأحد بالله من طاقة.
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم ابن حزام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم». فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل. إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل. ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه. فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني من يوم بدر!
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: فاستجال بفرسه حول العسكر! ثم رجع إليهم، فقال: ثلاث مائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون. ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئًا، فرجع إليهم، فقال: ما وجدت شيئًا، ولكني قد رأيت يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا. نواضح يثرب تحمل الموت الناقع. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك؟ فروا رأيكم!
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى ألا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت عليّ بذلك، إنما هو حليفي فعليّ عقله أي دية أخيه الذي قتل في سرية عبد الله بن جحش كما سبق وما أصيب من ماله. فأت ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره. يعني أبا جهل بن هشام. ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا. والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته. فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرّضوا منه ما تريدون.
قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعًا له من جرابها فهو يهيئها. فقلت له: يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا، للذي قال، فقال: انتفخ والله سَحره يعني انتفخت رئته من الخوف! حين رأى محمدًا وأصحابه. كلا! والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدًا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه يعني أبا حذيفة رضي الله عنه وكان مسلمًا مع المسلمين فقد تخوفكم عليه!
ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي، فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس. وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك أي عهدك ومقتل أخيك! فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف، ثم صرخ: واعمراه! فحميت الحرب، وحقب أمر الناس أي اشتد واستوسقوا على ما هم عليه من الشر. فأفسد على الناسالرأي الذي دعاهم إليه عتبة. فلما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ والله سحره. قال: سيعلم مصفر استه يريد أن يشبهه في الجبن كالرجل الذي يتأنث! من انتفخ سحره؟ أنا أم هو!
قال ابن إسحاق: وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلًا شرسًا سيئ الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه أي أطارها بنصف ساقه. وهو دون الحوض. فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا نحو أصحابه؛ ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد- زعم- أن يبر يمينه، واتبعه حمزة، فضربه حتى قتله في الحوض!
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء، ورجل آخر يقال: هو عبد الله بن رواحة. فقالوا من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة وقال ابن إسحاق: إن عتبة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا إليه: أكفاء كرام، إنما نريد قومنا ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. «قم يا عبيدة ابن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي». فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ قال عبيدة: عبيدة؟ وقال حمزة: حمزة! وقال علي: علي! قالوا. نعم أكفاء كرام! فبارز عبيدة، وكان أسن القوم، عتبة ابن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله. واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه أي جرحه جرحًا لا يملك معه الحركة وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه أي أجهزا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.